زلزال جنوب كريت يهز شرق المتوسط ( حين تتكلم الأرض بإذن ربها من أعماق البحر)
في ليلة هادئة من ليالي مايو اهتز البحر المتوسط على إثر زلزال قوى بلغت قوته 6.4 علي مقياس ريختر والزلازل هي اهتزازات مفاجئة لسطح الأرض ناتجة عن تحرّك الصخور بشكل مفاجئ على امتداد الصدوع التكتونية في باطن الأرض وتحرّر طاقة هائلة تنتقل على شكل موجات زلزالية يمكن أن يشعر بها الناس على سطح الأرض وقد تسبب دمارًا متفاوتًا حسب شدتها وعمقها وموقعها.
تحليل جيولوجي لزلزال جنوب اليونان – 14 مايو 2025
في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء الموافق 14 مايو 2025 وفي تمام الساعة 01:51 صباحًا بتوقيت القاهرة (22:51 بالتوقيت العالمي) سجّلت محطات الرصد الزلزالي زلزالًا متوسطًا إلى قوي جنوب شرق جزيرة كريت اليونانية، بالقرب من جزيرة "كاسوس"، بلغت قوته ما بين 6.1 و6.4 درجات على مقياس ريختر، وفقًا للمركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل (EMSC) وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS).
الزلزال وقع على عمق يتراوح بين 56 و83 كم وهو ما يشير إلى أنه من الزلازل المتوسطة إلى العميقة، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على نمط انتشار الموجات الزلزالية وشدة الشعور بها عبر المناطق البعيدة.

البيئة التكتونية للزلزال
يقع مركز الزلزال ضمن نطاق "قوس هيلينيك" (Hellenic Arc) وهو واحد من أكثر المناطق الزلزالية نشاطًا في حوض البحر المتوسط. يمثل هذا القوس واجهة اندساس بين الصفيحة الإفريقية الزاحفة شمالًا والتي تغوص تحت الصفيحة الأوراسية على طول خندق هيلينيك. وتتميز هذه البيئة الجيولوجية بخصائص تكتونية معقدة ناتجة عن:
- اندساس الصفيحة المحيطية الإفريقية بزاوية ميل معتدلة.
- تقوس البنية التكتونية للقوس الذي يُنتج ضغوطًا أفقية إضافية.
- وجود حركات قص جانبية متزامنة مع الانضغاط العمودي، ما يخلق صدوعًا نشطة متنوعة الاتجاهات.

الآلية البؤرية للزلزال
تشير البيانات الأولية إلى أن الزلزال نجم عن حركة على صدع اندساسي مائل من نوع صدوع الدفع (Thrust Fault)، مع وجود مركبة أفقية طفيفة، مما يتسق مع ميكانيكية الصدوع الانضغاطية في بيئات الاندساس البحرية. وتبدو آلية الانكسار متوافقة مع النمط البنيوي في جنوب بحر إيجة، بما يعزز فرضية استمرار النشاط التكتوني في هذا القوس النشط.
تقع المنطقة ضمن الحزام الزلزالي للمتوسط الشرقي ، حيث تصطدم الصفائح التكتونية الإفريقية والأوراسية ، وتندفع الأولى أسفل الثانية في عملية تُعرف باسم الانغماس (Subduction) . هذا النشاط الجيولوجي يجعل من جنوب اليونان وبحر إيجه واحدة من أكثر المناطق عرضة للزلازل في العالم.
التأثير يمتد عبر القارات
وفقًا للمركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل (EMSC) تجاوز عدد البلاغات من المواطنين حول الشعور بالاهتزازات أكثر من 3200 تقرير حيث توضح الصورة توزيع هذه التاثيرات عبر المناطق المتأثرة بالألوان التالية:
- اللون رمادي لم يُشعر بالزلزال وأزرق شعر به بشكل خفيف وأخضر شعر به بوضوح وأصفر كان مزعجًا وأحمر قوي وربما تسبب في بعض الأضرار البسيطة. والنقطة البرتقالية الكبيرة (على شكل نجمة) في الخريطة تمثل موقع البؤرة الزلزالية (epicenter) .

مما يعكس حجم التأثير غير المعتاد لهذا الزلزال الذي امتدت آثاره ليشمل نطاقًا إقليميًا واسعًا عبر ثلاث قارات حيث شعر به بوضوح في اليونان ، خصوصا في جزيرة كريت والجزر المحيطة بها وحتى في العاصمة أثينا بينما امتدت الاهتزازات إلى مدن تركية ساحلية مثل إزمير، أنطاليا، مرسين ، وصولًا إلى مناطق داخل الأناضول. كما سجل السكان في قبرص ، خصوصًا في العاصمة نيقوسيا ومناطق ساحلية أخرى، شعورهم بالهزة، وفي مصر ، شعر به السكان في الإسكندرية، القاهرة، الجيزة، بورسعيد، والسويس ، دون تسجيل خسائر بشرية أو مادية حتى الآن، بالإضافة إلى جنوب لبنان والبيضاء في ليبيا . وامتد التأثير أيضًا إلى الأردن حيث شعر به السكان في العاصمة عمّان والزرقاء ، وكذلك في سوريا ، تحديدًا في دمشق والمدن الساحلية، وهو ما يُعزى إلى الطبيعة الجيولوجية المتماسكة للقشرة الأرضية في منطقة شرق البحر المتوسط، التي ساعدت على نقل الموجات الزلزالية – خاصة الموجات الأولية (P) والثانوية (S) – لمسافات تزيد عن 800 كيلومتر ، ما يجعل هذا الزلزال حدثًا استثنائيًا من حيث الانتشار الجغرافي.
التقييم الأولي للمخاطر والمتابعة المستقبلية
- لم يتم تسجيل أي أضرار بشرية أو مادية في الدول المجاورة، وفقًا لبيانات المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية (NRIAG).
- لا توجد مؤشرات حاليًا على حدوث نشاط لاحق كبير أو موجات تسونامي.
- يوصى بمراقبة النشاط الزلزالي في المنطقة خلال الأيام والأسابيع القادمة، نظرًا للطبيعة المتكررة للزلازل في جنوب بحر إيجة. كما لا يوجد ارتباط مباشر بين هذا الحدث والنشاط البركاني في الجزر المجاورة مثل سانتوريني.
و يمثل هذا الحدث الزلزالي تذكيرًا بأهمية الاستعداد والاستجابة السريعة في المناطق القريبة من مناطق الاندساس النشطة. ويُبرز في الوقت ذاته كفاءة محطات الرصد الزلزالي الإقليمية في تتبع وتحليل الأحداث الزلزالية بدقة عالية، ما يسهم في رفع الوعي وتوفير المعلومات اللازمة لصنّاع القرار والجمهور العام.
خط الدفاع الأول ..الوعي الزلزالي
تنظم الحكومات حملات توعية مستمرة لتعليم المواطنين كيفية التصرف أثناء الزلزال، مثل الاحتماء تحت طاولة متينة، والابتعاد عن النوافذ، وعدم استخدام المصاعد.
ا.د. ثروت حلمي عبد الحفيظ
رئيس مجلس قسم الجيولوجيا - قسم الجيولوجيا كلية العلوم - جامعة الأزهر
