أ.د محمد احمد هيكل كتب مقالا بعنوان "تغير المناخ العالمي"
يشهد العالم اليوم تحولات هائلة على جميع الأصعدة، تسارعت بفعل التقدم التكنولوجي والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، مما يجعل فهم القضايا الكبرى التي تؤثر على مستقبل الكوكب أمراً بالغ الأهمية. تتطلب هذه القضايا، سواء كانت بيئية، تكنولوجية، أو متعلقة بالعلاقات الإنسانية، تحليلاً شاملاً واستراتيجيات متعددة الجوانب للتعامل معها. في هذا الإطار، يعد تغير المناخ العالمي من أخطر التحديات التي تهدد البشرية في القرن الحادي والعشرين. ارتفاع درجات الحرارة العالمية، التقلبات المناخية الحادة، وتزايد الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات وحرائق الغابات، جعلت التغير المناخي قضية شاملة تمس كل جوانب الحياة. وبينما كانت هذه التغيرات في الماضي ناتجة عن عوامل طبيعية بحتة، فإن الأنشطة البشرية الحديثة مثل استخدام الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تساهم بشكل كبير في تسارع هذه الظاهرة. يهدف هذا المقال إلى استعراض تأثيرات تغير المناخ على البيئة، الاقتصاد، والصحة، مع تسليط الضوء على الحلول الممكنة لمواجهة هذا الخطر العالمي والتحديات التي تواجهها البشرية للحفاظ على مستقبل الأرض.
يتغير المناخ من مكان إلى آخر. فإذا أتيح لشخص ما أن يسافر حول العالم ، فانه يجد تغير هائل في المناخ يصعب تصديقه وتواجده على كوكب واحد. ويتغير المناخ أيضاً عبر الزمن ، وخلال المدى الواسع لتاريخ الأرض. وقبل وجود الإنسان وتجوله على الكوكب فقد كان هناك تحولات وتغيرات عديدة للمناخ– من دافئ إلى بارد ومن رطب إلى جاف ثم يعود من جديد. ويعتبر السجل الجيولوجي مخزناً للبيانات التي تؤكد ذلك الواقع ، وعلى خلاف التغيرات في الأزمنة الجيولوجية الماضية والتي كانت تمثل التغيرات الطبيعية ، فإن التغير المناخي الحديث يهيمن عليه تأثيرات الإنسان والتي تكون كبيرة لدرجة أنها تزيد عن حدود (الإختلاف) التنوع الطبيعي ، ومن الأرجح أن تستمر تلك التغيرات لعدة قرون. ويمكن أن تكون تلك التغيرات مدمرة ليست فقط للبشرية ، ولكن للعديد من أشكال الحياة الأخرى.
ويناقش الجزء الأخير من هذا الاستعراض الطرق التي يمكن أن يؤدي بها الإنسان إلى تغير المناخ على الصعيد العالمي.
المناخ والجيولوجيا Climate and Geology
يشير مصطلح الطقس weather إلى الحالة التي يكون عليها الجو من درجة حرارة وضغط ورياح ورطوبة ودرجة سطوع الشمس في يوم أو أيام قليلة ، في زمان ومكان معينين. وتكون التغيرات في الطقس متكررة وأحياناً تبدو غير منتظمة. وعلى العكس ، فإن المناخ climate هو معدل ظروف الطقس في مكان أو منطقة خلال فترات زمنية تتراوح بين فصول إلى سنوات أو على مدي عدة عقود مع ملاحظة أن التغيرات والتطرف هما جزء من وصف المناخ. وبمرور الوقت، فإذا تحولت ظروف المناخ ناحية وضع جديد مع تغير درجات الحرارة إلى أعلى أو أقل ، و/أو من رطب إلى جاف، ثم العودة مرة أخري، فإنه يقال إنه قد حدث تغير مناخي climate change.
1- النظام المناخي the Climate System
يطلق مصطلح النظام system في البيئة على أي جزء محدد من الكون يتم اختياره فجراء دراسة تفصيلية عليه، مثل كوكب، أو بركان، أو محيط، لو نهر او غيرهم، وذلك بمراقبة التغيرات التي تحدث به بسبب تغير أحد مكوناته. فمثلا يؤدي التغير في أحد مكونات الأرض، كالغلاف المائي ، او الغلاف الأرضي ، او الغلاف الهوائي ، او الحيوي، الى تعديل باقي المكونات الأخرى. وتؤكد دراستنا للمناخ والتغيرات التي تحدث به تلك المعلومة.
ومن المهم لكي نفهم وندرك المناخ أن نعلم المناخ أكبر من أن يشمل الغلاف الجوي فقط ، وفي الحقيقة ، فإنه يجب أن نتحقق أن هناك نظام مناخي climate system يشمل الغلاف الجوي ، والغلاف المائي ، والغلاف الأرضي ، والغلاف الحيوي ، والغلاف الصقيعي cryosphere (و هو الجزء المتجمد من الغلاف المائي ، ويشمل الثلج snow والجليد ice المتواجد فوق سطح الأرض). ويشمل النظام المناخي تبادل الطاقة والرطوبة التي تتواجد في الأغلفة الخمسة ، حيث تربط تلك التغيرات الغلاف الجوي إلى باقي الأغلفة الأخرى بحيث يعمل الكل كوحدة تفاعلية معقدة للغاية. ولا تحدث التغيرات في النظام المناخي بشكل منعزل ، ولكن عندما يتغير جزء واحد من النظام المناخي دائما تتفاعل وتستجيب أحد أو باقي الأجزاء أيضاً.

النظام المناخي للأرض
2- روابط المناخ - الجيولوجيا Climate – Geology Connections
إن للمناخ تأثيرا عميقا على العديد من العمليات الجيولوجية. فعندما تحدث تغيرات مناخية ، فإن العديد من تلك العمليات الجيولوجية تستجيب لتلك التغيرات. وجدير بالذكر ، أن دورة الصخور rock cycle تذكرنا بالعديد من الروابط بين المناخ والجيولوجيا. وبالطبع ، فإن لتجوية الصخور إرتباط واضح بالمناخ حيث تعمل عمليات التجوية في المناطق القاحلة والقارية والجليدية. وتحدث مثلا بعض الظواهر مثل إنسياب الحطام debris flow وفيضان الأنهار غالباً بواسطة أحداث جوية مثل هطول الأمطار الطارئة غير العادية. وفي الواقع ، فأن هناك أيضا إرتباط أساسي للغلاف الجوي بدورة الغلاف المائي. وتشمل باقي إرتباطات المناخ – الجيولوجيا تأثير العمليات الداخلية في الأرض على الغلاف الجوي. فمثلاً فإن الجزيئات والغازات التي تنبعث من البراكين يمكن أن تغير الغلاف الجوي ، كما أن عمليات بناء الجبال يمكن أن يكون لها تأثير على درجات الحرارة الإقليمية ، والتساقط وأنماط الرياح.
وتظهر بوضوح دراسة الرواسب والصخور الرسوبية والحفريات أنه على مر العصور ، فإن كل مكان على كوكب الأرض قد أظهر تقلبات كبيرة في المناخ ، مثلا من العصور الجليدية إلى ظروف المصاحبة لمستنقعات الفحم شبه الاستوائية أو الكثبان الرملية في الصحاري. وتتراوح المقاييس الزمنية للتغير المناخي من عقود (عشرات السنوات) إلى ملايين السنين.
كيفية إكتشاف تغير المناخ Detecting Climate Change
لا يتغير المناخ من مكان الى اخر فقط، ولكنه يتغير أيضا طبيعيا على مر الزمن. ولقد كان هناك العديد من التغيرات خلال امتداد طويل من تاريخ الأرض وقبل فترة طويلة من ارتياد الانسان لكوكب الأرض، وذلك من مناخ دافئ الى بارد، ومن رطب الى جاف والعودة مرة اخري.
1. التغير المناخي Climate Change
لقد قام العلماء بإعادة بناء تاريخ الأرض والذي يمتد ويعود الى مئات الملايين من السنوات وذلك باستخدام الأحافير والعديد من الأدلة الجيولوجية الأخرى. ولقد قام العلماء بالإضافة الى ذلك بمناقشة الأدلة الجيولوجية لتغير المناخ طبيعيا، حيث أمكن تمييز المناخ بصورة عامة وعلى مدي فترات زمنية طويلة (عشرات الى مئات ملايين من السنوات) الى كونه دافئ " بيوت محمية greenhouse" او الى بارد "بيوت جليدية icehouse".
2. المعلومات البديلة Proxy Data
إن تواجد أجهزة عالية التقنية والدقة لدراسة تركيب و ديناميكية (القوى المحركة) الغلاف الجوي والمتوافرة حاليا ، لم تكن متواجدة خلال الأزمنة السابقة. ولكي نفهم بشكل كامل سلوك الغلاف الجوي ونتوقع تغير المناخ مستقبلاً ، فإنه يجب علينا أن نكتشف كيف تغير المناخ على امتداد فترات كبيرة ممتدة من الزمن.
ولكي نتغلب على نقص القياسات المباشرة فان العلماء اكتشفوا وأعادوا تشكيل المناخات القديمة باستخدام ادلة غير مباشرة. وتأتي تلك المعلومات البديلة proxy data من تسجيلات طبيعية لتغير المناخ ، مثل رواسب قاع المحيطات ، جليد المثالج ، حبوب اللقاح الأحفورية fossil pollen ، حلقات نمو الأشجار، بالإضافة إلى الوثائق التاريخية. ويهدف العلماء من ذلك إلى دراسة علم المناخ القديم paleoclimatology للوصول إلى فهم المناخ السابق لتقييم المناخ الحالي والمناخ المحتمل في المستقبل ، وذلك في سياق التقلب الطبيعي للمناخ. وسنستعرض في المناقشة التالية بعض المصادر المهمة للمعلومات البديلة.
- رواسب البحار: مستودع للمعلومات عن المناخ
تحتوي معظم رواسب قاع المحيط على بقايا الكائنات العضوية التي عاشت يوماً قرب سطح البحار (التقاء المحيط - الغلاف الجوي). وتعتبر هذه الرواسب المحيطية نافعة كسجلات للتغير العالمي للمناخ نظرا لان عدد وأنواع الكائنات العضوية التي تعيش قرب سطح البحار يتغير مع تغيرات ظروف المناخ ودرجات حرارة المحيطات. ولقد زودتنا العينات اللبية core samples والتي تم جمعها بواسطة سفن حفر الابار وغبرها من سفن الأبحاث بالعديد من المعلومات التي وسعت مفهومنا للمناخات القديمة.
كائنات عضوية دقيقة وحيدة الخلية حساسة لاي تقلبات صغير في درجات الحرارة.
- تحليل نظير الأكسجين
إن نظائر الأكسجين في جزيئات الماء أو أصداف الكائنات العضوية البحرية هي مصدر هام للمعلومات البديلة عن ظروف المناخ الماضية. ويستند تحليل نظير الأكسجين Oxygen isotope analysis على القياس الدقيق للنسبة بين نظيري الأكسجين: 16O الأكثر شيوعا و 18O الأثقل. ويمكن أن يتكون جزيء الماء H2O من أي من 16O أو 18O ولكن يتبخر النظير الاخف 16O من المحيطات بسهولة أكثر ، ولذلك فإن التساقطprecipitation (وبالتالي جليد المثالج الذي ربما يتكون) يكون غنياً في 16O مما يؤدي إلى زيادة تركيز النظير الأثقل في ماء المحيط ، و لذلك فخلال الفترات التي تكون فيها المثالج كبيرة ، فإن 16O الأخف يكون موجودا ومرتبطاً بالجليد ، بينما يزيد لذلك تركيز 18O بدرجة كبيرة في ماء المحيطات. وبالعكس ، فخلال العصور البين جليدية interglacial periods الأدفأ حينما تقل كمية جليد المثالج بدرجة كبيرة فان المزيد من 16O يعود إلى البحر ولذلك تنخفض نسبة 16O / 18O في ماء المحيط ايضاً. فإذا كان لدينا بعض التسجيلات القديمة لتغيرات نسبة 16O / 18O فانه يمكننا أن نحدد زمن الفترات الجليدية ، وبالتالي متى أصبح المناخ أبرد.
وتتغير أيضاً نسبة 16O / 18O مع درجة الحرارة ، فيتبخر 18O من المحيطات بنسبة أكبر حينما تكون درجات الحرارة مرتفعة ، بينما تتبخر نسبة أقل حينما تكون درجات الحرارة منخفضة. لذلك ، يكون النظير الأثقل 18O أكثر وفرة في تساقط الأمطار في العصور الدافئة ، واقل وفرة خلال العصور الأبرد. ويستخدم العلماء تلك القاعدة أثناء دراستهم لطبقات الجليد والثلج في المثالج لعمل سجلات للتغيرات السابقة في درجات الحرارة.
- حلقات نمو الأشجار ارشيفات للتاريخ البيئي
تظهر القطاعات العرضية لجذوع الأشجار سلسلة من حلقات نمو الأشجار tree growth rings المتمركزة. ويمكن ان تكون حلقات نمو الأشجار مصدراً نافعاً للمعلومات البديلة عن المناخات الماضية. وفي كل عام تضيف الأشجار في المناطق المعتدلة حلقة خشب جديدة تحت اللحاء bark. وتنعكس خصائص كل حلقة من الأشجار مثل السُمك والكثافة ، الظروف البيئية (خاصة المناخ) التي سادت خلال العام الذي تكونت فيه الحلقة. وتؤدي الظروف المواتية لنمو الأشجار لتكون حلقة واسعة بينما تتكون حلقة ضيقة عندما تكون الظروف غير المواتية. وتظهر الأشجار التي تنمو في الوقت نفسه وفي نفس المنطقة حلقات نمو ذات أنماط متشابهة.
ونظراً لأنه يضاف كل عام عادة حلقة نمو واحدة ، فإنه يمكن تحديد عمر الشجرة حين قطعها اذا عرفنا السنة التي تم قطع الشجرة فيها وعد الحلقات ابتداء من الحلقة الخارجية. ولا يعتمد العلماء على الأشجار التي تم قطعها فقط، بل يمكن أخذ عينات لبنية core sample صغيرة غير مدمرة من الأشجار الحية للغرض نفسه شكل (10-3ب).
حلقات نمو الأشجار
- الأنواع الاخرى من المعلومات البديلة
وبالإضافة إلى المصادر التي سبق مناقشتها ، فإنه يمكن استخدام مصادر أخرى للمعلومات البديلة لكي تكتسب معرفة دقيقة بالمناخات السابقة ، مثل حبوب اللقاح الأحفورية fossil Pollen ، والمراجين corals ، والوثائق التاريخية historical documents.
بعض اساسيات الغلاف الجوي Some Atmospheric Basics
انه لمن المجدي أن نستعرض بعض المعلومات عن مكونات وتركيب الغلاف الجوي ، وكذلك لفهم أفضل للتغير المناخي.
مكونات الغلاف الجوي
إن الهواء ليس عنصراً واحداً أو مركب من اتحاد عنصرين أو أكثر كيميائياً ، بل هو خليط من العديد من الغازات المنفصلة التي تحيط بالكرة الأرضية والتي تحتوي على كميات متغيرة من جزيئات دقيقة صلبة و سائلة معلقة فيها ، تتكون أساساً بالكامل تقريبا من غازين : النيتروجين (87%) والأكسجين (21%) ، وبالرغم من أن هذين الغازين هما أكثر مكونات الهواء نفعاً وأهمية كبيرة للحياة ، إلا أنهما لا يكونا ذات أهمية أو ذات أهمية قليله في التأثير على ظاهرة التجوية. ويتكون معظم باقي (1%) مكونات الهواء الجاف النقي من غاز الأرجون الخامل (0.93%) بالإضافة إلى كميات ضئيلة من عدد من الغازات الأخرى. وبالرغم من أن غاز ثاني أكسيد الكربون يتواجد في كميات قليلة فقط (0.0400% أو p.p.m) إلا أنه مع ذلك يعتبر مكوناً مهماً من الهواء بسبب أنه له قابليه لامتصاص طاقة الحرارة التي تشعها الأرض ولذلك يؤثر في تسخين الغلاف الجوي.

مكونات الغلاف الجوي. الحجم النسبي للغازات المكونة للهواء الجاف، حيث يسود غازي الاكسجين والنيتروجين.
ويحتوي الهواء على العديد من الغازات والجزيئات التي تتغير من وقت لآخر ومن مكان لآخر. وتشمل الأمثلة الهامة لتلك الغازات المتغيرة على بخار الماء والذي تتغير نسبته من 0% إلى 4% بالحجم ، وهو مصدر لكل السحب والتساقط precipitation ، كما أنه مثل غاز CO2 له قابلية لامتصاص طاقة الحرارة التي تنبعث من الأرض. بالإضافة إلى بعض الطاقة الشمسية ، وهي الطاقة اللازمة لتسخين الغلاف الجوي. (2) غاز الأوزون وهو أحد الصور الكيميائية لغاز الأكسجين (O3). ويتواجد الأوزون بكميات ضئيلة في الغلاف الجوي ويزداد تركيزه في طبقة الأوزون ozone layer في طبقة تعرف بالإستراتوسفير stratospher. ويعتبر وجود طبقة الأوزون في الغلاف الجوي حيويا لمن يعيش على الأرض، نظراً لامتصاصه قدر كبير من الأشعة فوق البنفسجية (UV) الضارة والصادرة من الشمس. وإذا وصلت أشعة الشمس إلى الأرض كامله دون نقصان فإن كوكب الأرض يصبح غير صالح للسكن لمعظم أشكال الحياة التي نعرفها ، (3) جزيئات صلبة وسائلة (ليست غازية) مجهرية معلقة في الغلاف الجوي تعرف بالهباء الجوي aerosols وتكون مصاحبة عادة للتلوث الجوي. ومن وجهه نظر الأرصاد الجوية فإن تلك الجسيمات تمثل نويات يتكثف حولها قطرات صغيرة جداً من الماء لتكون السحب والضباب ، بالإضافة لأنه يمكن أن يسبب انخفاض ملموس في كميه أشعة الشمس التي تصل سطح الارض.
امتداد وتركيب الغلاف الجوي Extent and Structure of the Atmosphere
يبدأ الغلاف الجوي من سطح الأرض ويمتد إلى أعلى ، دون أن يوجد حد واضح ومحدد بين الغلاف الجوي والفضاء.
تغير الضغط مع الارتفاع ودرجة الحرارة :
تغيرات الضغط مع الارتفاع يمكن تعريف ضغط الغلاف الجوي atmospheric pressure بأنه ببساطه وزن الهواء على سطح الأرض ويبلغ متوسط الضغط عند سطح البحر أعلى قليلاً من 1000 مليبار ، وهذا يقابل وزن أكبر قليلاً من 1 كيلو جرام لكل سنتيمتر مربع. ومن الواضح أن ضغط الهواء عند الارتفاعات الكبيرة يكون اقل.
تغيرات درجة الحرارة :
بالإضافة إلى التغيرات رأسيا في هبوط الهواء فإن هناك أيضاً تغيرات في درجات حرارة الهواء عندما ترتفع خلال الغلاف الأرضي ويقسم الغلاف الجوي للأرض رأسيا إلى أربع طبقات على أساس درجة الحرارة شكل.
- تروبوسفير Troposphere. تتميز الطبقة السفلية من الغلاف الجوي التي نعيش فيها بنقص في درجات الحرارة مع زيادة الارتفاع وتعرف باسم التروبوسفير troposphere. ويعني المصطلح حرفياً المنطقة التي يتقلب ويدور فيها الهواء ، إشارة إلى الاختلاط الرأسي للهواء في تلك المنطقة المنخفضة. ويركز علماء الأرصاد الجوية دراساتهم على التروبوسفير لأنه الطبقة التي يحدث فيها أساساً كل الظواهر الهامه للتجوية. ويبلغ متوسط انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع 6.5 oC لكل كيلو متر ، مع ملاحظة أن معدل تناقص درجات الحرارة ليس ثابتاً وأنه متغير بدرجة كبيرة وسُمك طبقة التروبوسفير ليس هو نفسه في كل مكان وانما يتغير مع الارتفاع والفصل (الموسم). ويعرف الحد الخارجي للتروبوسفير باسم تروبوبوز tropopause.
- الإستراتوسفير Stratosphere. يتواجد خلف التروبوبوز طبقة الإستراتوسفير stratosphere وتبقى درجة الحرارة ثابتة في الإستراتوسفير إلى ارتفاع حوالي 20 كيلو متر ، ثم تبدأ في الزيادة تدريجياً حتى الاستراتوبوز stratopause وعند ارتفاع حوالي 50 كيلو متر فوق سطح الأرض. وتتغير خصائص الغلاف الجوي مثل درجات الحرارة والرطوبة تحت التروبوبوز بدرجة كبيرة من الاضطراب والاختلاف والاختلاط ، بينما فوق التروبوبوز ، فإنها لا تحدث اضطرابات في الإستراتوسفير. وتزداد درجة الحرارة في الاستراتوسفير لأنها الطبقة التي يتواجد بها أوزون الغلاف الجوي والذي يمتص الأشعة فوق البنفسجية من الشمس. ونتيجة ذلك ، فإن الإستراتوسفير يسخن.

التركيب الحراري للغلاف الجوي.
- الميزوسفير Mesosphere. تتناقص درجات الحرارة مرة أخرى مع الارتفاع في طبقة الميزوسفير mesosphere الثالثة حتى حد الميزوبوز mesopause أكثر من 80 كيلومتر فوق سطح الأرض وتصل درجة الحرارة -90 °Cوهي أبرد درجات الحرارة في الغلاف الجوي.
- الثرموسفير Thermosphere. وتمتد الطبقة الرابعة للخارج من الميزوبوز مع عدم وجود حد أعلى محدد بشكل جيد. وتحتوي طبقة الثرموسفير thermosphere على كميات صغيرة من كتلة الغلاف الجوي. وتبدأ في هذه الطبقة زيادة درجات الحرارة مرة أخرى نتيجة امتصاص ذرات الأكسجين والنيتروجين أشعة الشمس قصيرة الأمواج جداً وعالية الطاقة. وترتفع درجات الحرارة إلى قيم عالية جداً ولأكثر من 1000 oC في الثرموسفير.
تسخين الغلاف الجوي Heating the Atmosphere
إن معظم الطاقة تقريباً التي تسبب تقلب الطقس والمناخ على الأرض تأتي من الشمس. وقبل أن نصف على نحو كاف كيف يسخن الغلاف الجوي للأرض، فإنه من الأفضل معرفة مسارات الطاقة الشمسية القادمة للكرة الأرضية وما يحدث لتلك الطاقة حال اعتراض الأرض لها.
1- مسارات الطاقة الشمسية القادمة The Paths of Incoming Solar Energy
المسارات التي تأخذها أشعة الشمس القادمة للكرة الأرضية بأكملها والمتوسطات العالمية بالنسبة المئوية لتلك الأشعة. ويمر خلال الغلاف الجوي الشفاف للغاية لأشعة الشمس حوالي 50% من تلك الأشعة التي تصل إلى قمة الغلاف الجوي ويمتصها سطح الكرة الأرضية ، بينما تمتص مباشرة السحب أو بعض غازات الغلاف الجوي المحددة (تشمل الأكسجين والأوزون) عشرين بالمئة (20%) أخرى من تلك الأشعة قبل ان تصل إلى سطح الأرض. وتنعكس الـ 30% الباقية وتعود إلى الفضاء بواسطة الغلاف الجوي والسحب وأسطح الانعكاس مثل الثلج والجليد. ويسمى الجزء البسيط من موجات الشمس الكلية التي تنعكس من سطح ما نحو الفضاء الخارجي باسم الالبيدو albedo.

المسارات التي تأخذها أشعة الشمس.
2- تسخين الغلاف الجوي : تأثير الاحتباس الحراري
إذا لم يكن هناك غلاف أرضي يحيط بالأرض فإن كوكب الأرض كان سيقاسي متوسط درجات حرارة أقل بكثير من التجمد ، ولكن ، يدفئ الغلاف الجوي كوكب الأرض ويجعل الكره الأرضية قابلة للحياة. ويسمى الدور الهام للغاية الذي يلعبه الغلاف الجوي في تدفئة سطح الأرض باسم تأثير الاحتباس الحراري "تأثير الدفيئة" greenhouse effect. وكما ذكرنا سابقاً فإن الهواء الصافي (عديم السحب) يكون شفاف للغاية بالنسبة لأشعة الشمس قصيرة الموجة القادمة ، ولذلك فإن تلك الاشعة تنفذ إلى سطح الأرض. وعلى النقيض من ذلك ، فإن نسبة مهمة من الأشعة طويلة الموجة المنبعثة من سطح الأرض والبحار يمتصها بخار الماء وثاني أكسيد الكربون وباقي الغازات الشحيحة الأخرى في الغلاف الجوي. وتسخن تلك الطاقة الهواء ويرتفع المعدل الذي يشع الطاقة إلى كلاً من الفضاء في الخارج ومرة أخرى باتجاه سطح الأرض. وبدون هذه العملية الصعبة ، فإن معدل درجة حرارة الأرض سيكون -18 °C بدلاً من المعدل الحالي لدرجة حرارة الأرض وهو 15 °C ، مما يجعل الكرة الأرضية كوكباً قابلاً للسكن والعيش للإنسان وباقي أشكال الحياة.
ولقد سميت هذه الظاهرة الطبيعية تأثير البيوت المحمية نظراً للاعتقاد أن البيوت المحمية (البيوت الزجاجية) تسخن بنفس الأسلوب. ففي البيوت المحمية (البيوت الزجاجية) يسمح لأشعة الشمس قصيرة الموجة بالدخول لتمتصها الأشياء بداخلها وتبعث هذه الاشياء بدورها الطاقة، ولكن كموجات طويلة يكون الزجاج بالنسبة لها معتم تقريباً ومن ثم فإن الحرارة يتم احتباسها في البيوت المحمية.

ظاهرة الاحتباس الحراري ، تأثير البيوت الزجاجية الدفيئة.
الاسباب الطبيعية لتغير المناخNatural Causes of Climate Change.
إن هناك العديد من الفرضيات التي تم اقتراحها لشرح التغير المناخي ، حيث اكتسب العديد منها تأييد واسع النطاق إلا أنها قد تفقد ذلك الدعم ثم تكتسبه مرة أخرى. وتكون بعض الفرضيات للأسباب الطبيعية لتغير المناخ خلافيه مثيره للجدل. نظراً لأن العمليات الكوكبية للغلاف الجوي تكون على نطاق واسع ومعقدة. ولا يمكن تجربتها طبيعيا في التجارب المعملية ، وإنما يمكن محاكاتها وتقليدها رياضيا (نمذجتها modelled) باستخدام أجهزه حاسبات (كمبيوتر) قوية.
وعند استعراضنا الفرضيات المقترحة لتفسير تغيير المناخ فإننا سنجد ان هناك أكثر من فرضيه تشرح نفس التغير المناخي ، كما أنه لا يوجد فرضيه واحدة يمكن أن تشرح تغيير المناخ على جميع النطاقات الزمنية فالاقتراح الذي يشرح التغيرات على مدى ملايين السنوات عموماً لا يمكن أن يشرح التغيرات على مدى مئات السنين.
حركه الالواح والتغيرات المدارية
لقد استعرضنا في الفصل الثاني حركة الألواح التكتونية حيث أوضحنا أن ألواح الغلاف الصخري تتسبب في حركة قارات الكرة الأرضية تدريجياً لتقترب أو لتبتعد من خط الاستواء. وبالرغم أن تلك التغيرات في خط العرض تكون بطيئة جداً إلا أنه قد يكون لها أثر كبير هائل على المناخ على مدى ملايين السنوات. كما يمكن أن تؤدي أيضاً حركة الكتل الأرضية إلى تحولات هامة في دوران المحيطات ocean circulation الذي يؤثر في نقل الحرارة حول العالم. كما تشمل الميكانيكية الطبيعية الثانية لتغير المناخ والمرتبطة بأسباب العصور الجليدية ، التغيرات في مدار الكرة الأرضية. وتؤدي التغيرات في شكل المدار (انحراف مداري eccentricity) ، والتغيرات في الزاوية التي يأخذها محور الأرض مع مستوى المدار (اعوجاج obliquity) ، وتأرجح محور الأرض (حركه مغزلية precession) إلى تقلبات في التوزيع الفصلي وخطوط العرض لأشعة الشمس. وتؤدي تلك التغيرات بدورها إلى تبادل الفترات الجليدية - وبين الجليدية في العصر الجليدي.
النشاط البركاني وتغير المناخ
إن فكرة أن الثورانات البركانية المتفجرة ربما تغير مناخ الأرض قد تم اقتراحها لأول مره منذ عدة سنوات مضت. وما زالت تعتبر هذه الفكرة مقبولة لتوضيح بعض تقلبات المناخ. وتبث الثورانات الانفجارية كميات هائلة من الغازات والحطام دقيق الحبيبات في الغلاف الجوي وتكون أعظم الانفجارات قوية بدرجة كافية ليضخ المواد غالباً في الغلاف الجوي ، لينتشر حول في أنحاء العالم ويبقى لشهور عديدة او حتى سنوات. وتشمل المواد البركانية الهباء البركاني volcanic aerosols المعلق الذي يحجب جزءً من أشعة الشمس مما يؤدي بالتالي لانخفاض درجات الحرارة في التروبوسفير. وعلى الجانب الآخر فقد تبث بعض البراكين كميات من غاز ثاني أكسيد الكبريت الذي ربما يتحد مع بخار الماء في الإستراتوسفير ليكون سحابة كثيفة من جزيئات دقيقة من حامض الكبريتيك.

تأثير النشاط البركاني على تغير المناخ.
التأـثير البشري على المناخ العالمي Human Impact on Global Climate
لقد استعرضنا حتى الآن الأسباب الطبيعية الممكنة لتغير المناخ، وفي هذا الجزء سيتم دراسة كيف يساهم الإنسان في تغير المناخ عالميا. وينتج التأثير الرئيسي الأول في تغيير المناخ عالميا نتيجة إضافة ثاني أكسيد الكربون وغازات الإحتباس الحراري greenhouse gases للغلاف الجوي، بينما يتعلق التأثير الثاني نتيجة إضافة الهباء الجوي aerosols الناتج عن الإنسان إلى الغلاف الجوي.
ولم يبدا التأثير البشري على المناخ إقليميا وعالميا بمجرد بداية الفترة الصناعية الحديثة، نظرا لوجود دليل جيد على أن الناس قد أدت إلى تغير مناخ البيئة على امتداد مساحات شاسعة لآلاف السنوات، نتيجة استخدام النار والرعي الجائر للحيوانات الأليفة للأراضي الهامشية، قد أدى إلى تقليص انتشار وتوزيع الغطاء النباتي. ولقد أدى تغيير الإنسان للغطاء الأرضي إلى تغيير بعض العوامل المناخية الهامة مثل الألبيدو السطحي surface albedo وهو مقدار الضوء المنعكس من سطح الأرض، ومعدلات التبخير، والرياح السطحية.
ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون Rising CO2 Levels
لقد تعلمت سابقًا أن ثاني أكسيد الكربون (CO2) يمثل حوالي 0.0400 بالمائة (400 جزء في المليون) من الغازات التي تشكل الهواء النظيف والجاف. ومع ذلك، فهو مكون هام للغاية من الناحية الجوية. إن ثاني أكسيد الكربون مؤثر لأنه شفاف للإشعاع الشمسي الوارد ذي الموجة القصيرة، ولكنه لا ينفذ إلى بعض الإشعاعات الصادرة من الأرض ذات الموجة الأطول. يمتص ثاني أكسيد الكربون الجوي جزءًا من الطاقة التي تغادر سطح الأرض. ثم يتم إعادة إطلاق هذه الطاقة الحرارية بعد ذلك، ويعود جزء منها إلى السطح، وبالتالي الحفاظ على الهواء بالقرب من الأرض أكثر دفئًا مما كان ليكون بدون ثاني أكسيد الكربون. وبالتالي، جنبًا إلى جنب مع بخار الماء، يكون ثاني أكسيد الكربون مسؤولًا إلى حد كبير عن تأثير الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. لقد تم تغذية التصنيع الهائل الذي شهدناه خلال القرنين الماضيين ـ وما زال ـ عن طريق حرق الوقود الأحفوري: الفحم، والغاز الطبيعي، والبترول شكل .

استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة. يوضح الرسم البياني استهلاك الطاقة في عام 2014. وكان الإجمالي 98.3 كوادريليون وحدة حرارية بريطانية. والكوادريليون هو 10 مرفوعًا إلى القوة 12، أو مليون مليون. ويمثل حرق الوقود الأحفوري حوالي 81 في المئة من الإجمالي.
وقد أضاف احتراق هذه الوقود كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي. التغيرات في تركيزات ثاني أكسيد الكربون في مرصد ماونا لوا في هاواي، حيث تم إجراء القياسات منذ عام 1958. يوضح الرسم البياني دورة موسمية سنوية واتجاهًا تصاعديًا ثابتًا على مر السنين. ويرجع ارتفاع وانخفاض الدورة الموسمية إلى المساحة الشاسعة من اليابسة في نصف الكرة الشمالي، والتي تحتوي على غالبية النباتات البرية. وخلال الربيع والصيف في نصف الكرة الشمالي، عندما تمتص النباتات ثاني أكسيد الكربون كجزء من عملية التمثيل الضوئي، تنخفض التركيزات. وتحدث الزيادة السنوية في ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خلال الأشهر الباردة عندما تموت النباتات وتتساقط الأوراق وتتحلل، مما يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون مرة أخرى في الهواء.

تركيزات ثاني أكسيد الكربون الشهرية تم قياس ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في مرصد ماونا لوا في هاواي منذ عام 1958. وقد كانت هناك زيادة ثابتة منذ بدء الرصد. يُعرف هذا الرسم البياني باسم منحنى كيلينغ، تكريمًا للعالم الذي ابتكر القياسات.
إن استخدام الفحم وغيره من أنواع الوقود هو الوسيلة الأكثر بروزًا التي يضيف بها البشر ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة. كما تساهم إزالة الغابات بشكل كبير لأن ثاني أكسيد الكربون ينطلق مع حرق النباتات أو تحللها.

إزالة الغابات الاستوائية المطيرة إن إزالة الغابات الاستوائية المطيرة تشكل مشكلة بيئية خطيرة. فبالإضافة إلى التسبب في فقدان التنوع البيولوجي، فإن إزالة الغابات تشكل مصدرًا مهمًا لثاني أكسيد الكربون. وكثيرًا ما تُستخدم الحرائق لإزالة الغابات. هذا المشهد في حوض نهر الأمازون بالبرازيل.
إن إزالة الغابات واضحة بشكل خاص في المناطق الاستوائية، حيث يتم تطهير مساحات شاسعة لتربية الماشية والزراعة أو تخضع لعمليات قطع الأشجار التجارية غير الفعالة. وتختفي جميع الغابات الاستوائية الكبرى - بما في ذلك تلك الموجودة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وإندونيسيا. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، تم تدمير أكثر من 10 ملايين هكتار (25 مليون فدان) من الغابات الاستوائية بشكل دائم كل عام خلال عقود التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ وقد تباطأ هذا المعدل في السنوات الأخيرة.
يتم امتصاص بعض ثاني أكسيد الكربون الزائد بواسطة النباتات أو يذوب في المحيط، ولكن ما يقدر بنحو 45 في المئة منه يبقى في الغلاف الجوي. الشكل 10-12 هو سجل بياني للتغيرات في ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يمتد إلى أكثر من 400000 عام. وعلى مدى هذه الفترة الطويلة، تراوحت التقلبات الطبيعية من نحو 180 إلى 300 جزء في المليون. ونتيجة للأنشطة البشرية، أصبح مستوى ثاني أكسيد الكربون الحالي أعلى بنحو 30% من أعلى مستوياته على مدى الستمائة ألف عام الماضية على الأقل. ومن الواضح أن الزيادة السريعة في تركيزات ثاني أكسيد الكربون منذ بداية التصنيع كانت واضحة. وكان المعدل السنوي لنمو تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في تزايد على مدى العقود العديدة الماضية.

تركيزات ثاني أكسيد الكربون على مدى الأربعمائة ألف سنة الماضية تأتي أغلب هذه البيانات من تحليل فقاعات الهواء المحاصرة في نوى الجليد. ويأتي السجل منذ عام 1958 من القياسات المباشرة في مرصد ماونا لوا في هاواي. ومن الواضح أن الزيادة السريعة في تركيزات ثاني أكسيد الكربون منذ بداية الثورة الصناعية.
استجابة الغلاف الجوي The Atmosphere Response
نظرًا لزيادة محتوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فهل ارتفعت درجات الحرارة العالمية بالفعل؟ الإجابة هي نعم. فوفقًا لتقرير صادر عام 2013 عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن "ارتفاع درجة حرارة النظام المناخي أمر لا لبس فيه، كما يتضح الآن من ملاحظات زيادة متوسط درجات حرارة الهواء والمحيطات العالمية، وذوبان الجليد والثلوج على نطاق واسع، وارتفاع مستوى سطح البحر العالمي". إن أغلب الزيادة الملحوظة في متوسط درجات الحرارة العالمية منذ منتصف القرن العشرين ترجع إلى حد كبير إلى الزيادة الملحوظة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن أنشطة الإنسان. وكما يستخدمه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، فإن "مرجح للغاية" يشير إلى احتمال بنسبة 95-100 في المئة. ويبلغ معدل الاحتباس الحراري العالمي منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين الآن نحو 0.6 درجة مئوية (1 درجة فهرنهايت)، ويبلغ معدل الاحتباس الحراري الإجمالي في القرن الماضي نحو 0.8 درجة مئوية (1.4 درجة فهرنهايت). الاتجاه التصاعدي في درجات حرارة السطح. وباستثناء عام 1998، فإن السنوات العشر الأكثر دفئًا في السجل الذي يمتد لـ 135 عامًا حدثت جميعها منذ عام 2000، مع احتلال عام 2014 المرتبة الأكثر دفئًا على الإطلاق.

درجات الحرارة العالمية، 1880-2014 باستثناء عام 1998، فإن 10 من الأعوام الأكثر دفئًا في سجل درجات الحرارة الممتد 135 عامًا هذا حدثت منذ عام 2000.
تتسبب أنماط الطقس والدورات الطبيعية الأخرى في تقلبات في درجات الحرارة المتوسطة من عام إلى آخر. وهذا صحيح بشكل خاص على المستويين الإقليمي والمحلي. على سبيل المثال، بينما شهد العالم درجات حرارة دافئة بشكل ملحوظ في عام 2014، كانت أجزاء من الولايات المتحدة القارية أكثر برودة من المعتاد. وعلى النقيض من ذلك، كان عام 2014 هو العام الأكثر دفئًا على الإطلاق بالنسبة لمعظم أوروبا وأجزاء من روسيا، وكانت درجات حرارة المحيطات عند أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وبصرف النظر عن الاختلافات الإقليمية في أي عام، فإن الزيادات في مستويات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي تتسبب في ارتفاع طويل الأمد في درجات الحرارة العالمية. لن يكون كل عام تقويمي بالضرورة أكثر دفئًا من العام السابق، لكن العلماء يتوقعون أن يكون كل عقد أكثر دفئًا من العقد السابق.
ماذا عن المستقبل؟ تعتمد التوقعات للسنوات المقبلة جزئيًا على كميات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي المنبعثة. أفضل التقديرات للاحتباس الحراري العالمي لعدة سيناريوهات مختلفة. ويذكر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لعام 2013 أنه في حالة مضاعفة مستوى ما قبل الصناعة من ثاني أكسيد الكربون (280 جزءًا في المليون) إلى 560 جزءًا في المليون، فإن الزيادة المحتملة في درجات الحرارة ستكون في نطاق 2 إلى 4.5 درجة مئوية (3.5 إلى 8.1 درجة فهرنهايت). ومن غير المرجح جدًا (احتمالية 1 إلى 10 في المئة) أن تكون الزيادة أقل من 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت)، ومن الممكن أن تكون القيم أعلى من 4.5 درجة مئوية (8.1 درجة فهرنهايت).

اتجاه درجات الحرارة من عقد إلى عقد إن الزيادات المستمرة في مستويات الغازات المسببة للانحباس الحراري في الغلاف الجوي تدفع إلى زيادة طويلة الأجل في درجات الحرارة العالمية. كل عام تقويمي ليس بالضرورة أكثر دفئًا من العام السابق، ولكن منذ عام 1950، كان كل عقد أكثر دفئًا من العقد السابق. يوضح الرسم البياني هذا بوضوح. تُظهر خريطة العالم الاختلافات الإقليمية في معدل الانحباس الحراري العالمي.

توقعات درجات الحرارة حتى عام 2100 يوضح النصف الأيمن من الرسم البياني الاحتباس الحراري العالمي المتوقع بناءً على سيناريوهات انبعاثات مختلفة. توضح المنطقة المظللة المجاورة لكل خط ملون نطاق عدم اليقين لكل سيناريو. أساس المقارنة (0.0 على المحور الرأسي) هو المتوسط العالمي للفترة من 1980 إلى 1999. يمثل الخط البرتقالي السيناريو الذي تم فيه تثبيت تركيزات ثاني أكسيد الكربون عند قيم عام 2000.
دور الغازات النزرة The Role of Trace Gases
لا يعد ثاني أكسيد الكربون الغاز الوحيد الذي يساهم في زيادة درجات الحرارة العالمية المحتملة. ففي السنوات الأخيرة، أدرك علماء الغلاف الجوي أن الأنشطة الصناعية والزراعية البشرية تتسبب في تراكم العديد من الغازات النزرة التي تلعب أيضًا أدوارًا مهمة. وتُسمى هذه المواد بالغازات النزرة لأن تركيزاتها أقل كثيرًا من تركيز ثاني أكسيد الكربون. وأهم الغازات النزرة هي الميثان (CH4)، وأكسيد النيتروز (N2O)، ومركبات الكلوروفلورو كربون (CFCs). تمتص هذه الغازات أطوال موجية من الإشعاع الصادر من الأرض والتي قد تهرب إلى الفضاء. وعلى الرغم من أن تأثيرها منفردة متواضع، فإن هذه الغازات النزرة مجتمعة تلعب دورًا مهمًا في تدفئة طبقة التروبوسفير. الميثان على الرغم من وجود الميثان بكميات أصغر بكثير من ثاني أكسيد الكربون، فإن أهميته أكبر مما يشير إليه تركيزه الصغير نسبيًا.

الميثان وأكسيد النيتروز على الرغم من أن ثاني أكسيد الكربون هو الأكثر أهمية، إلا أن هذه الغازات النزرة تساهم أيضًا في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. وعلى مدى فترة 2000 عام الموضحة هنا، كانت هناك تقلبات طفيفة نسبيًا حتى العصر الصناعي. يوضح الرسم البياني الموجود على اليمين الاتجاهات الأخيرة.
وذلك لأن الميثان أكثر فعالية بنحو 20 مرة من ثاني أكسيد الكربون في امتصاص الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من الأرض. ينتج الميثان عن طريق البكتيريا اللاهوائية في الأماكن الرطبة حيث يكون الأكسجين نادرًا. (تعني اللاهوائية "بدون هواء"، وتحديدًا الأكسجين.) وتشمل هذه الأماكن المستنقعات، والمستنقعات، والأراضي الرطبة، وأمعاء النمل الأبيض والحيوانات العاشبة مثل الأبقار والأغنام. كما يتم توليد الميثان في حقول الأرز المغمورة بالمياه (المستنقعات الاصطناعية) المستخدمة في زراعة الأرز. كما يعد استخراج الفحم وحفر آبار النفط والغاز الطبيعي من المصادر الأخرى، لأن الميثان هو أحد نتاجات تكوينها. لقد كانت الزيادة في تركيز غاز الميثان في الغلاف الجوي متزامنة مع النمو في عدد السكان. وتعكس هذه العلاقة الارتباط الوثيق بين تكوين غاز الميثان والزراعة. ومع زيادة عدد السكان، تزداد أعداد الماشية وحقول الأرز.
أكسيد النيتروز يُطلق عليه أحيانًا "غاز الضحك"، ويتراكم أيضًا في الغلاف الجوي، على الرغم من أنها ليست بنفس سرعة الميثان. وتنتج الزيادة في المقام الأول عن النشاط الزراعي. فعندما يستخدم المزارعون الأسمدة النيتروجينية لتعزيز غلة المحاصيل، يدخل بعض النيتروجين إلى الهواء على شكل أكسيد النيتروز. وينتج هذا الغاز أيضًا عن احتراق الوقود الأحفوري في درجات حرارة عالية. وعلى الرغم من أن الإطلاق السنوي في الغلاف الجوي صغير، فإن عمر جزيء أكسيد النيتروز يبلغ حوالي 150 عامًا! وإذا نما استخدام الأسمدة النيتروجينية والوقود الأحفوري بمعدلات متوقعة، فقد تقترب مساهمة أكسيد النيتروز في ظاهرة الاحتباس الحراري من نصف مساهمة الميثان.
مركبات الكلورو فلورو كربون على عكس الميثان وأكسيد النيتروز، لا توجد مركبات الكلورو فلورو كربون (CFCs) بشكل طبيعي في الغلاف الجوي. مركبات الكلورو فلورو كربون هي مواد كيميائية مصنعة لها استخدامات عديدة اكتسبت شهرة لأنها مسؤولة عن استنفاد الأوزون في طبقة الستراتوسفير. إن الدور الذي تلعبه مركبات الكلوروفلوروكربون في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي أقل شهرة. مركبات الكلوروفلوروكربون هي غازات دفيئة فعالة للغاية. لم يتم تطويرها حتى عشرينيات القرن العشرين ولم يتم استخدامها بكميات كبيرة حتى خمسينيات القرن العشرين. وعلى الرغم من اتخاذ إجراءات تصحيحية، فإن مستويات مركبات الكلوروفلوروكربون لن تنخفض بسرعة. تظل مركبات الكلوروفلوروكربون في الغلاف الجوي لعقود من الزمن، لذا، حتى لو توقفت جميع انبعاثات مركبات الكلوروفلوروكربون على الفور، فلن يكون الغلاف الجوي خاليًا منها لسنوات عديدة.
تأثير مشترك: من الواضح أن ثاني أكسيد الكربون هو السبب الوحيد الأكثر أهمية للاحتباس الحراري العالمي المتوقع. ومع ذلك، فهو ليس المساهم الوحيد وعندما نجمع تأثيرات كل الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي التي ينتجها الإنسان بخلاف ثاني أكسيد الكربون، ونتوقعها في المستقبل، فإن تأثيرها الجماعي يزيد بشكل كبير من تأثير ثاني أكسيد الكربون وحده. وتُظهِر النماذج الحاسوبية المتطورة أن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي السفلي الناجم عن ثاني أكسيد الكربون والغازات النزرة لن يكون متماثلاً في كل مكان. بل إن استجابة درجات الحرارة في المناطق القطبية قد تكون أكبر بمقدار مرتين إلى ثلاث مرات من المتوسط العالمي. ولأن طبقة التروبوسفير القطبية مستقرة للغاية، فإن الاختلاط الرأسي يكون مكبوتاً، الأمر الذي يحد من كمية الحرارة السطحية التي تنتقل إلى الأعلى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الانخفاض المتوقع في الجليد البحري من شأنه أن يساهم في زيادة درجات الحرارة بشكل أكبر. وسوف نستكشف هذا الموضوع بمزيد من التفصيل في القسم التالي.
تأثير الهباء الجوي على المناخ Aerosols Influence
إن زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للانحباس الحراري في الغلاف الجوي هي التأثير البشري الأكثر مباشرة على المناخ العالمي. ولكنها ليست التأثير الوحيد. كما يتأثر المناخ العالمي بالأنشطة البشرية التي تساهم في محتوى الهباء الجوي في الغلاف الجوي. وتذكر أن الهباء الجوي عبارة عن جزيئات صغيرة، وغالبًا ما تكون مجهرية، سائلة وصلبة، معلقة في الهواء. وعلى عكس قطرات السحب، فإن الهباء الجوي موجود حتى في الهواء الجاف نسبيًا.
الهباء الجوي يتكون من العديد من المواد المختلفة، بما في ذلك التربة والدخان وملح البحر وحمض الكبريتيك. المصادر الطبيعية عديدة وتشمل ظواهر مثل العواصف الغبارية والبراكين. يأتي معظم الهباء الجوي الناتج عن الإنسان من ثاني أكسيد الكبريت المنبعث أثناء احتراق الوقود الأحفوري ، وينتج عن حرق النباتات لتطهير الأراضي الزراعية. تحول التفاعلات الكيميائية في الغلاف الجوي ثاني أكسيد الكبريت إلى هباء جوي كبريتات، وهي نفس المادة التي تنتج هطول الأمطار الحمضية. توفر صور الأقمار الصناعية في الشكل مثالاً.

الهباء الجوي الناتج عن الأنشطة البشرية. تظهر صور الأقمار الصناعية هذه حلقة خطيرة من تلوث الهواء في الصين في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2010. تُظهر صورة القمر الصناعي هذه المستويات المرتفعة للغاية من الهباء الجوي المرتبطة بهذه الحادثة المتعلقة بتلوث الهواء. عند قيمة مؤشر 4، تكون الهباء الجوي كثيفة للغاية بحيث يصعب عليك رؤية شمس الظهيرة.
كيف تؤثر الهباء الجوي على المناخ؟ يعمل الهباء الجوي بشكل مباشر عن طريق عكس ضوء الشمس إلى الفضاء وبشكل غير مباشر عن طريق جعل السحب عاكسات "أكثر سطوعًا". ويتعلق التأثير الثاني بحقيقة مفادها أن العديد من الهباء الجوي (مثل تلك التي تتألف من الملح أو حمض الكبريتيك) تجتذب الماء وبالتالي فهي فعالة بشكل خاص كنواة لتكثيف السحب. والكمية الكبيرة من الهباء الجوي التي تنتجها الأنشطة البشرية (وخاصة الانبعاثات الصناعية).
يؤدي تراكم كميات كبيرة من الغبار إلى زيادة عدد قطرات السحب التي تتشكل داخل السحابة. ويؤدي تزايد عدد القطرات الصغيرة إلى زيادة سطوع السحابة، مما يتسبب في انعكاس المزيد من ضوء الشمس إلى الفضاء. وهناك فئة واحدة من الهباء الجوي، تسمى الكربون الأسود، وهي السخام الناتج عن عمليات الاحتراق والحرائق. وعلى عكس معظم الهباء الجوي الأخرى، يعمل الكربون الأسود على تدفئة الغلاف الجوي لأنه يمتص الإشعاع الشمسي الوارد بشكل فعال.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يترسب على الثلج والجليد، يقلل الكربون الأسود من بياض السطح، وبالتالي يزيد من كمية الإشعاع الممتص. ومع ذلك، وعلى الرغم من التأثير الاحتراري للكربون الأسود، فإن التأثير الإجمالي للهباء الجوي هو تبريد الأرض. تشير الدراسات إلى أن التأثير المبرد للهباء الجوي الناتج عن الأنشطة البشرية يعوض جزءًا من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي الناجمة عن الكميات المتزايدة من الغازات المسببة للانحباس الحراري في الغلاف الجوي. إن حجم ومدى التأثير المبرد للهباء الجوي غير مؤكد. ويشكل هذا الغموض عقبة كبيرة في تقدم فهمنا لكيفية تأثير البشر على مناخ الأرض.
من المهم الإشارة إلى بعض الاختلافات المهمة بين الاحتباس الحراري العالمي الناتج عن الغازات المسببة للانحباس الحراري والتبريد الناتج عن الهباء الجوي. فبعد انبعاثها، تظل غازات ثاني أكسيد الكربون والغازات النزرة في الغلاف الجوي لعقود عديدة. وعلى النقيض من ذلك، تظل الهباء الجوي المنبعثة في طبقة التروبوسفير هناك لبضعة أيام فقط أو، على الأكثر، بضعة أسابيع قبل أن "تغسلها" الأمطار، مما يحد من آثارها. وبسبب عمرها القصير في طبقة التروبوسفير، فإن الهباء الجوي موزع بشكل غير متساوٍ على مستوى العالم. وكما هو متوقع، تتركز الهباء الجوي الناتج عن الأنشطة البشرية بالقرب من المناطق التي تنتجها ـ أي المناطق الصناعية التي تحرق الوقود الأحفوري والأماكن التي تحرق فيها النباتات .إن عمر الهباء الجوي في الغلاف الجوي قصير. لذلك، فإن تأثير الهباء الجوي على مناخ اليوم يتحدد من خلال الكمية المنبعثة خلال الأسبوعين السابقين. وعلى النقيض من ذلك، فإن ثاني أكسيد الكربون والغازات النزرة التي يتم إطلاقها في الغلاف الجوي تظل لفترات أطول بكثير وبالتالي تؤثر على المناخ لعقود عديدة.
أ.د محمد احمد هيكل
أستاذ الصخور النارية والمتحولة - قسم الجيولوجيا كلية العلوم - جامعة الأزهر
