د. وحيد حسن كتب مقالا بعنوان "المجال المغناطيسي للأرض: الدرع الخفى الذى يحمى كوكب الأرض"
يعتبر المجال المغناطيسي للأرض ظاهرة فيزيائية معقدة ومهمة للغاية، تنشأ نتيجة لتداخل التيارات المتحركة في النواة الخارجية للأرض مع الدوران البطيء للكوكب، ويمتد هذا المجال من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي.يتكون المجال المغناطيسى الأرضى المقاس على سطح الأرض من جزأين رئيسين أحدهما ينشأ من داخل الأرض ويمثل حوالى 90% أو اكثر من قيمة المجال، بينما ينشأ الجزء ألأخر الخارجى ويشكل حوالى 10% أو أقل من مجالات كهربية فى الغلاف الهوائى المتأين المحيط بالأرض وهو مجال ثنائى القطب. ويتم قياس القيمة المطلقة وليس معدل التغير لشدة المجال المغناطيسى ألأرضى واتجاهة فى كل أقطار العالم حيث ترسل هذه البيانات المغناطيسية الى مراكز التجميع الدولية التى تقوم بتجميعها فى خرائط مغناطيسية تمثل العالم كله وتسمى بخرائط المجال المغناطيسى المرجعى الدولى International Geomagnetic Reference Field (IGRF)
s1600-rw-e90
أهمية المجال المغناطيسي الأرضي
المجال المغناطيسي للأرض هو أحد الظواهر الطبيعية الحيوية التي تؤثر بشكل كبير على كوكبنا. يمتد هذا المجال المغناطيسي إلى الفضاء ، ويشكل درعًا طبيعيًا يحمي الأرض والكائنات الحية عليها من تأثيرات الأشعة الكونية الضارة والجسيمات المشحونة التي تأتي من الفضاء الخارجي بالإضافة إلى تأثيراته المتعددة على البيئة والتكنولوجيا والحياة اليومية وتتلخص أهمية المجال المغناطيسى فى التالى.
- الحماية من الإشعاعات الكونية
المجال المغناطيسي للأرض يعمل كدرع وقائي ضد الإشعاعات الكونية الضارة، والتي تشمل الجسيمات المشحونة من الشمس والأجرام السماوية الأخرى. عندما تصل هذه الإشعاعات إلى المجال المغناطيسي، يتم توجيهها بعيدًا عن سطح الأرض، مما يحمي الكائنات الحية من الآثار الضارة لهذه الإشعاعات مثل السرطان والاضطرابات الصحية الأخرى.
- الحماية من العواصف الشمسية
العواصف الشمسية، التي تنتج عن النشاط الشمسي المكثف، يمكن أن تسبب تأثيرات سلبية على البيئة والتكنولوجيا. المجال المغناطيسي للأرض يساعد في تقليل تأثير هذه العواصف من خلال تحويل الجسيمات المشحونة بعيدًا عن الكوكب. في حالة عدم وجود مجال مغناطيسي، قد تؤدي هذه العواصف إلى حدوث أضرار على مستوى الشبكات الكهربائية وأنظمة الاتصالات.
- التأثير على النظم البيئية
تؤثر التغيرات في المجال المغناطيسي على النظم البيئية. بعض الحيوانات، مثل الطيور والحشرات، تعتمد على المجال المغناطيسي للأرض في التنقل والتهجير. على سبيل المثال، تستخدم الطيور المجال المغناطيسي كأداة لتحديد اتجاه هجرتها خلال فصول السنة. أي تغييرات أو اضطرابات في هذا المجال قد تؤثر بشكل مباشر على أنماط هجرتها وسلوكها.
- التأثيرات على التكنولوجيا
في العصر الحديث، تلعب التكنولوجيا دورًا أساسيًا في حياتنا اليومية، والمجال المغناطيسي يؤثر على العديد من هذه الأنظمة. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي التغيرات الكبيرة في المجال المغناطيسي إلى حدوث اضطرابات في أنظمة تحديد المواقع (GPS) والاتصالات اللاسلكية. فهم المجال المغناطيسي والتنبؤ بالتغيرات فيه يساعد في حماية هذه الأنظمة وضمان استمرار عملها بشكل موثوق.
- أبحاث الفضاء والإكتشافات العلمية
يدرس العلماء المجال المغناطيسي للأرض لفهم المزيد عن تكوين الأرض وبنيتها الداخلية. كما أن دراسة هذا المجال يمكن أن تقدم رؤى حول الديناميكية المغناطيسية للكواكب الأخرى. هذه الأبحاث تسهم في تحسين فهمنا للكون وتفتح أبوابًا لاكتشافات جديدة في مجال الفضاء.
- البحث والتنقيب
حيث يتم عمل المسوحات الجيوفيزيائية وذلك لقياس شدة المجال المغناطيسى للتنقيب عن الركاز والبحث عن مكامن الهيدروكربون، ودراسة تراكيب الصخور وخاصة صخور القاع، والكشف عن الأجسام الصغيرة فى الأغراض المدنية والعسكرية، واستخدامات الأثار. ويتم القياس بصفة عامة إما على هيئة خطوط أو خرائط ثلاثية الأبعاد (تعطى صورة أوضح للتراكيب البنائية تحت السطحية)
هل المجال المغناطيسي للأرض يتغير بمرور الوقت؟
المجال المغناطيسي للأرض يتغير بشكل مستمر، سواء على نطاق زمني قصير أو طويل الأمد. هذه التغيرات تتأثر بعوامل متعددة، بما في ذلك النشاط الشمسي، التحولات في نواة الأرض، والعوامل الجيولوجية الأخرى. فهم هذه التغيرات مهم لضمان الاستقرار في أنظمة الملاحة والتكنولوجيا، ولتقديم رؤى حول العمليات الجيولوجية التي تؤثر على كوكبنا.
تضمن هذه التغيرات مجموعة من الأنماط التي يمكن تقسيمها إلى فئات رئيسية:
- التغيرات اليومية
المجال المغناطيسي للأرض يتغير بشكل دوري خلال اليوم نتيجة لتأثيرات النشاط الشمسي. يتعرض المجال المغناطيسي لتأثيرات متغيرة من الرياح الشمسية التي تصل إلى الأرض، مما يسبب تباينًا يوميًا في القوة والاتجاه للمجال المغناطيسي.
- التغيرات الموسمية
تظهر تغيرات موسمية في المجال المغناطيسي أيضًا نتيجة لتأثيرات العواصف الشمسية والتي تكون أكثر شدة في بعض الفصول. هذه التغيرات يمكن أن تؤثر على الأنظمة الكهرومغناطيسية وتسبب تقلبات في المجال المغناطيسي.
- التغيرات قصيرة الأمد
تتسبب العواصف الجغرافية المغناطيسية، والتي تحدث بسبب نشاط شمسي مكثف، في تقلبات قصيرة الأمد في المجال المغناطيسي. هذه العواصف يمكن أن تكون قوية بما يكفي للتأثير على أنظمة الاتصالات والملاحة.
- التغيرات طويلة الأمد
المجال المغناطيسي للأرض يظهر تقلبات طويلة الأمد على مدار الزمن الجيولوجي. هذه التغيرات تتعلق بتحولات في نواة الأرض، حيث تتسبب حركة الحديد المنصهر في النواة الخارجية بتغيير نمط المجال المغناطيسي مما يؤدى الى حدوث انعكاس فى الأقطاب المغناطيسية على مدى مئات الآلاف إلى ملايين السنين. هذه العملية، التي تُعرف بالانعكاس المغناطيسي.
- التغيرات الإقليمية
تتباين شدة المجال المغناطيسي من مكان إلى آخر على سطح الأرض. المناطق القريبة من الأقطاب المغناطيسية تكون لديها شدة مجال مغناطيسي أعلى مقارنة بالمناطق الاستوائية.
ماذا يحدث اثناء الأنقلابات المغناطيسية؟
الانقلابات المغناطيسية، والمعروفة أيضًا بالانعكاسات المغناطيسية، هي تغييرات تحدث في المجال المغناطيسي للأرض حيث يتبدل قطبا المجال المغناطيسي (القطب الشمالي يصبح القطب الجنوبي والعكس بالعكس). هذا النوع من التغيير هو عملية طبيعية تحدث على مدى الزمن الجيولوجي ولها تأثيرات متعددة على كوكب الأرض والنظم البيئية. إليك ما يحدث أثناء الانقلابات المغناطيسية:

- عملية الانقلاب المغناطيسي
تغير المجال المغناطيسي: خلال عملية الانقلاب، يتغير المجال المغناطيسي للأرض ببطء، حيث تتغير قوة واتجاه المجال على مدى آلاف إلى ملايين السنين. يمكن أن يتسبب هذا التغيير في حدوث ما يُعرف بـ "الحقول المغناطيسية الضعيفة" أو "الفجوات" حيث يكون المجال المغناطيسي أضعف من المعتاد.
- المدة الزمنية
الانقلابات المغناطيسية ليست سريعة؛ فهي تحدث على مدى فترة زمنية طويلة قد تصل إلى عدة آلاف من السنين. هذا يعني أن تأثيرات الانقلاب لا تحدث بشكل مفاجئ ولكنها تمتد على مدى فترة طويلة، مما يسمح للنظم البيئية والبشر بالتكيف مع التغيرات.
- تأثيرات على الحياة والبيئة
التغيرات البيئية: قد تؤثر الانقلابات المغناطيسية على الكائنات الحية التي تعتمد على المجال المغناطيسي للتنقل، مثل الطيور والحشرات. التغيرات في المجال المغناطيسي قد تؤدي إلى صعوبة في التوجيه والانتقال لبعض هذه الكائنات.
الزيادة في الإشعاعات الكونية: عندما يكون المجال المغناطيسي ضعيفًا، تكون الحماية ضد الإشعاعات الكونية أقل. هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات الإشعاع على سطح الأرض، مما قد يؤثر على الكائنات الحية ويسبب مخاطر صحية محتملة. ومع ذلك، فإن الكوكب لا يزال محميًا بشكل كبير من الإشعاعات الكونية بواسطة الغلاف الجوي.
- تأثيرات على التكنولوجيا
أنظمة الملاحة: تعتمد أنظمة الملاحة القائمة على المجال المغناطيسي، مثل البوصلات، على استقرار المجال المغناطيسي. خلال الانقلاب، قد تكون هناك فترة من عدم الاستقرار الذي يمكن أن يؤثر على دقة هذه الأنظمة.
الأنظمة الكهربائية: يمكن أن تؤثر التغيرات في المجال المغناطيسي على الأنظمة الكهربائية من خلال زيادة النشاط الكهربائي في الغلاف الجوي، مما قد يتسبب في حدوث مشاكل في الشبكات الكهربائية والاتصالات.
- السجلات الجيولوجية
التأثيرات على الصخور: تسجل الصخور التي تشكلت أثناء فترة الانقلاب التغيرات في المجال المغناطيسي. يمكن للجيولوجيين دراسة هذه السجلات لفهم تاريخ الانقلابات المغناطيسية وكيفية تأثيرها على الأرض.
الأنماط التاريخية: دراسة الانقلابات السابقة تساعد العلماء في فهم نمط التغيرات المغناطيسية والتنبؤ بكيفية تأثيرها على كوكب الأرض في المستقبل.
الخلاصة
الانقلابات المغناطيسية هي عملية طبيعية تحدث بشكل دوري وتؤدي إلى تغيرات في المجال المغناطيسي للأرض على مدى فترة طويلة. هذه التغيرات تؤثر على البيئة، وتؤدي إلى تغييرات في النظم البيئية والتكنولوجيا، وتترك أثرًا يمكن دراسته في السجلات الجيولوجية. بينما يمكن أن تكون هناك بعض التأثيرات السلبية على الحياة والأنظمة التكنولوجية، فإن هذه العمليات هي جزء من دورة طبيعية تمر بها الأرض.
د. وحيد حسن
مدرس الجيوفيزياء التطبيقية - قسم الجيولوجيا كلية العلوم - جامعة الأزهر
