د. محمد رضا كتب مقالا بعنوان "البترول: ركيزة الطاقة الحديثة وأهميته كمصدر أساسي للتنمية الاقتصادية"
مقدمة
الذهب الأسود هو الاسم الأشهر الذي يعرف به البترول، وقد سمي بذلك لأنه يعد ذو قيمة تساوي الذهب، بل وأكثر، فلا يوجد أي دولة على مستوى العالم يمكنها أن تستغني عن الحاجة إلى هذا السائل، حيث يتم استخدامه في معظم المجالات المختلفة، ومن أهمها الصناعة التي تعتبر عصب الاقتصاد ومصدر الدخل القومي الرئيسي لمعظم البلاد المختلفة في جميع أنحاء العالم.
يُعرَف البترول بالإنجليزية: (Petroleum) بأنّه عبارة عن سائل زيتي كثيف وقابل للاشتعال ذو لون أصفر مائل إلى الأسود، ويتكون من تشكيلة مختلفة من الهيدروكربونات، بالإضافة إلى الأكسجين، والنيتروجين، والكبريت، وكلها مواد قابل للاشتعال، ولذلك فقد تم استخدامه للإنارة والتدفئة في العصور القديمة ، ويتشكل نتيجة تحلُل بقايا وأحافير الكائنات الحيّة في باطن الأرض بِفعل الضغط والحرارة العاليين، ويعتبرُ من مصادر الطاقة غير المتجددة؛ لأنَّه يحتاج إلى وقت طويل جداً حتى يتكون.
كلمة البترول تعني الصخر الزيتي، وهي كلمة لاتينيّة مُشتَقَّة من (petra) وتعني الصخر أو الحجر، و(oleum) وتعني الزيت. ويُمكن الحصول على البترول عن طريق الحفر والتنقيب بآلات ومعدات معينة واستخراجه من باطن الأرض، وذلك عن طريق شركات مصرَّح لها بالقيام بهذا العمل.
أهمية البترول في الصناعة
و يعتبر البترول من أهم الموارد الطبيعية في العالم ويحظى بأهمية كبيرة في الصناعة و فيما يلي بعض الاستخدامات الرئيسية للبترول في الصناعة:
- الطاقة: يعتبر البترول مصدرًا رئيسيًا للطاقة في العالم. يستخدم البترول لتوليد الكهرباء، وتشغيل المركبات ،وتدفئة المنازل ،والمباني ، مما يجعله من وقود فعال وموثوق به لتلبية احتياجات الطاقة في مختلف الصناعات.
- البتروكيماويات: يعد البترول مصدرًا رئيسيًا للمواد الخام في صناعة البتروكيماويات. يتم استخدام البترول لإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات البتروكيماوية مثل البلاستيك، والألياف الاصطناعية، والأسمدة، والمواد الكيميائية الصناعية. تلعب البتروكيماويات دورًا حيويًا في العديد من الصناعات مثل الصناعة الدوائية، والزراعة، والتعبئة والتغليف، والإلكترونيات.
- وقود النقل: يستخدم البترول كوقود لمركبات النقل مثل السيارات والشاحنات والطائرات. يتم استخراج الوقود السائل من البترول بما في ذلك البنزين والديزل بالإضافة إلى وقود الطائرات. يعتبر البترول وقودًا فعالًا ومتاحًا يلبي احتياجات النقل ويسهم في تشغيل الاقتصادات الوطنية وتسهيل التجارة العالمية.
- الصناعات التحويلية: يستخدم البترول في صناعة العديد من المنتجات التحويلية مثل الشموع، والمواد اللاصقة، والدهانات، والألياف، والمواد العازلة. يعد البترول مصدرًا متعدد الاستخدامات يسهم في تلبية احتياجات العديد من الصناعات المختلفة.
- التشغيل الصناعي: يستخدم البترول في عمليات التشغيل الصناعي، مثل التشحيم والتبريد والتسخين. يتم استخدام المنتجات البترولية مثل الزيوت والشحوم والشموع في العديد من العمليات الصناعية لتحسين الأداء وتقليل الاحتكاك والتآكل.
الأنواع المختلفة للبترول
البترول هو مزيج من مجموعة متنوعة من المركبات الهيدروكربونية، ويتكون من عدة أنواع مختلفة حسب تركيبه الكيميائي وخواصه الفيزيائية. وفيما يلي بعض الأنواع المختلفة للبترول:
- الخام الثقيل (Heavy Crude): يحتوي على نسبة عالية من المركبات الهيدروكربونية الثقيلة مثل الأسفلت والشمع. يتم استخراج النفط الخام الثقيل من مصادر مثل الرمال النفطية والصخور الزيتية. يتطلب معالجة متقدمة لفصل المركبات الثقيلة وتحويلها إلى منتجات بترولية قابلة للاستخدام.
- الخام الخفيف (Light Crude): يحتوي على نسبة عالية من المركبات الهيدروكربونية الخفيفة والسائلة. يتميز النفط الخام الخفيف بخواص تدفق جيدة وقدرة على التبخر بسهولة. يتم استخدام الخام الخفيف بشكل أساسي لإنتاج الوقود السائل مثل البنزين والديزل.
- الخام الحلو (Sweet Crude): يحتوي على نسبة منخفضة من المركبات الكبريتية. يعتبر النفط الحلو أكثر أمانًا وسهولة في التكرير والتكوين منه مواد بترولية نقية. يتم استخدام النفط الحلو بشكل أساسي في إنتاج الوقود والبتروكيماويات.
- الخام الحامضي (Sour Crude): يحتوي على نسبة عالية من المركبات الكبريتية. يعتبر النفط الحامضي أكثر تآكلاً للمعدات ويتطلب معالجة إضافية لإزالة الكبريت قبل استخدامه. يتم استخدام النفط الحامضي في إنتاج الوقود والمنتجات البتروكيماوية بعد إزالة الكبريت.
هذه مجرد بعض الأنواع المختلفة للبترول، وتوجد أيضًا العديد من الخصائص والمعايير الأخرى التي يمكن استخدامها لتصنيف البترول. يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن تركيب البترول يختلف من منطقة إلى أخرى، وتختلف خواصه الدقيقة حسب المصدر والتكوين الجيولوجي.
أهم الدول المنتجة للبترول
البترول والغاز الطبيعي هما موارد طبيعية مهمة وتلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي. من اهم الدول الرئيسية المنتجة للبترول والغاز الطبيعي في العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط ما يلي:
- المملكة العربية السعودية: تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط في العالم. تمتلك السعودية احتياطيات ضخمة من النفط وتعتبر من أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.
- العراق: يحتل العراق المرتبة الثانية في إنتاج النفط في الشرق الأوسط ويعتبر أحد أكبر منتجي النفط في العالم. يمتلك العراق احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي.
- إيران: تعتبر إيران منتجًا كبيرًا للنفط والغاز الطبيعي. تحتل إيران المرتبة الثالثة في إنتاج النفط في الشرق الأوسط وتمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي.
- الإمارات العربية المتحدة: تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة منتجًا رئيسيًا للنفط والغاز الطبيعي في الشرق الأوسط. تقوم إمارات الخليج العربية بتصدير كميات كبيرة من النفط والغاز إلى العالم.
- الكويت: تعتبر الكويت منتجًا رئيسيًا للنفط في الشرق الأوسط وتمتلك احتياطيات ضخمة من النفط. تشكل صناعة النفط والغاز الطبيعي قاعدة اقتصادية رئيسية للكويت.
- قطر: تعتبر قطر منتجًا رئيسيًا للغاز الطبيعي في العالم. تمتلك قطر احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي وتعتبر أحد أكبر مصدري الغاز في العالم.
أما بالنسبة إلى مصر فإن البترول له أهمية كبيرة من عدة جوانب:
- الاقتصاد الوطني: يلعب البترول دورًا حيويًا في اقتصاد مصر. يعتبر قطاع البترول والغاز أحد أهم قطاعات الاقتصاد المصري ويسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكومية. إيرادات صادرات البترول تعزز قدرة الحكومة على تمويل المشروعات التنموية وتوفير الخدمات العامة.
- التوظيف والعمل: يوفر قطاع البترول فرص عمل مهمة للمصريين. يشمل هذا القطاع وظائف في الاستكشاف والإنتاج والتكرير والتصدير، بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية والتكنولوجيا المرتبطة به. توفر هذه الوظائف فرص عمل مستدامة وتسهم في تحسين مستوى المعيشة للعديد من العائلات المصرية.
- تأمين احتياجات الطاقة: يعتمد قطاع البترول على تلبية احتياجات مصر من الطاقة. يستخدم البترول والغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، وتشغيل المصانع ،والمرافق العامة ،والمنازل. توفر استدامة إمدادات البترول والغاز الطبيعي تأمينًا للاحتياجات الحالية وتدعم التنمية المستدامة للبلاد.
- الصادرات والعملة الأجنبية: تعتبر صادرات البترول من أهم مصادر العملة الأجنبية لمصر. تساهم إيرادات صادرات النفط والمنتجات البترولية في تعزيز موارد العملة الأجنبية للبلاد، مما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتمويل الواردات الضرورية.
- التنمية الصناعية والبتروكيماويات: يوفر قطاع البترول المواد الخام اللازمة للصناعات البتروكيماوية في مصر. تساهم هذه الصناعات في تطوير القدرات الصناعية وتعزيز التصنيع المحلي وتوفير فرص استثمارية وتصديرية جديدة.
التحديات التي تواجه صناعة البترول والغاز الطبيعي وكيفية التغلب عليها
تعد صناعة البترول والغاز الطبيعي من أهم الصناعات في العالم، حيث تلعب دورًا حيويًا في تلبية الطلب العالمي على الطاقة. ومع ذلك، فإن هذه الصناعة تواجه العديد من التحديات التي تؤثر على عمليات الاستكشاف والإنتاج والتسويق. في هذا المقال، سنناقش بعض التحديات الرئيسية التي تواجه صناعة البترول والغاز الطبيعي وسبل التغلب عليها.
- تقلص احتياطيات البترول والغاز الطبيعي: من أبرز التحديات التي تواجه صناعة البترول والغاز الطبيعي هو تقلص احتياطياتهما حيث يعتمد العالم بشكل كبير على البترول والغاز الطبيعي كمصادر رئيسية للطاقة، ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن احتياطياتهما غير متجددة وتنفد بمرور الوقت. للتغلب على هذا التحدي، يجب أن تركز الصناعة على التنويع والاستثمار في مصادر طاقة بديلة ومستدامة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية.
- التلوث البيئي والتأثيرات البيئية السلبية: عمليات استخراج وإنتاج البترول والغاز الطبيعي قد تسبب تلوثًا بيئيًا وتأثيرات سلبية على البيئة المحيطة. تشمل هذه التأثيرات تلوث الهواء والمياه، وتغير المناظر الطبيعية، وتأثيراتها على الحياة البحرية والحياة البرية. يجب على الصناعة تبني ممارسات استدامة بيئية وتكنولوجيا نظيفة للحد من هذه التأثيرات السلبية والعمل على تطوير تقنيات استخلاص وإنتاج أكثر فعالية وصديقة للبيئة.
- التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية: تواجه صناعة البترول والغاز الطبيعي تحديات جيوسياسية واقتصادية متعددة، مثل التغيرات في السياسات والتشريعات الحكومية، والتوترات الجيوسياسية بين الدول، وتقلبات الأسعار العالمية. يجب على الشركات العاملة في هذه الصناعة تنمية القدرات التي تتكيف مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية وتنويع مصادر دخلها لتقليل التبعية على البترول والغاز الطبيعي.
- تكنولوجيا الاستكشاف والإنتاج: تتطلب عمليات استكشاف وإنتاج البترول والغاز الطبيعي تكنولوجيا متقدمة ومكلفة. قد تواجه الصناعة تحديات في تطوير تقنيات استكشاف جديدة للعثور على مصادر جديدة من البترول والغاز الطبيعي. يجب أن تستثمر الشركات في البحث والتطوير لتطوير تقنيات أكثر كفاءة وفعالية في استخلاص وإنتاج البترول والغاز الطبيعي.
- الطلب على الطاقة المتغير: تتغير احتياجات العالم للطاقة بمرور الوقت، وهذا يؤثر على سوق البترول والغاز الطبيعي. قد تواجه الصناعة تحديات في التكيف مع تغيرات الطلب على الطاقة، مثل زيادة الاهتمام بالطاقة المتجددة والتحول نحو سيارات كهربائية. يجب أن تكون الصناعة على استعداد لتلبية التحولات في الطلب والعمل على تطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات السوق المتغيرة.
للتغلب على هذه التحديات، يجب أن تعمل صناعة البترول والغاز الطبيعي على تعزيز التنمية المستدامة والاستدامة البيئية، وتعزيز التكنولوجيا والابتكار في جميع جوانب العمليات. يجب أيضًا تعزيز التعاون بين الدول والشركات والمؤسسات البحثية لتبادل المعرفة والخبرات والتكنولوجيا. بالعمل المشترك، يمكن تحقيق نمو مستدام وفعالية أكبر في صناعة البترول والغاز الطبيعي.
ماذا تعرف عن منظمة الأوبك؟
منظمة الدول المصدرة للنفط (بالإنجليزية: Organization of the Petroleum Exporting Countries) وتُختصر: أوبك (بالإنجليزية: OPEC)، هي منظمة حكومية دولية مكونة من 13 دولة. تأسست في 14 سبتمبر 1960 في بغداد من قبل الأعضاء الخمسة الأوائل (إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا)، ومقرها الرئيسي في فيينا في النمسا منذ عام 1965، رغم أن النمسا ليست دولة عضو في أوبك. وفقاً لمنظمة أوبك، فإنه بحلول نهاية عام 2021م، فإن 80.4% من احتياطيات البترول المؤكدة في العالم موجودة في الدول الأعضاء في أوبك.
تشمل الدول الأعضاء في أوبك حاليًا: الجزائر، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، والجابون، وإيران، والعراق، والكويت، وليبيا، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وفنزويلا. وشملت قائمة أعضاء أوبك السابقين الإكوادور وإندونيسيا وقطر. وقعت أوبك اتفاق يعرف بـ أوبك بلس ويضم الاتفاق 23 دولة مصدرة للنفط للأسواق. جرى التوصل لهذا الاتفاق في نوفمبر عام 2016 بهدف خفض إنتاج البترول لتحسين أسعار النفط وإعادة التوازن إلى السوق.
خام برنت وتأثيره على أسعار البترول
خام برنت أو مزيج برنت بالإنجليزية: (Brent Crude) وهو خام نفطي يستخدم كمعيار لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي، خاصة في الأسواق الأوروبية والأفريقية، ويتكون برنت من مزيج نفطي من 15 حقلا مختلفًا في منطقتي برنت وتينيان (بعضها يقع في المملكة المتحدة والبعض الآخر في النرويج) اللتان تنتجان نحو 500 ألف برميل يوميا، ويعد من أنواع النفط الخفيفة الحلوة بسبب وزنه النوعي (حسب معهد النفط الأمريكي) البالغ 38 درجة وانخفاض نسبة الكبريت التي تصل إلى 0.37 في المئة. وبناء على الفروق بينه وبين الخامات الأخرى، فإنه بشكل عام يباع بسعر أعلى من سلة نفط أوبك بنحو دولار للبرميل، وبسعر أقل من خام غرب تكساس بنحو دولار أيضا، وتستخدم قيمته لتسعير ثلثي واردات العالم المتداول بها من النفط الخام. وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تستهلك أغلب إنتاج خام برنت، لكنه يصدر أحيانا إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأفريقية، إذا كان الفرق بين سعره وسعر النفط المماثل في هذه الأسواق أكبر من تكاليف الشحن. ويعد إشراف حقوله على النضوب مشكلة كبيرة للمتعاملين الذين بدأوا يبحثون عن بديل للتسعير. اشتق اسم برنت من لقب أطلقته شركة شل لاستكشاف النفط على حقل نفط قامت بالتحقق منه في منطقة بحر الشمال نيابة عن شركتي إكسون موبيل ورويال داتش شل. وقد قامت شركة شل بتسمية جميع الحقول النفطية بأسماء طيور، وفي هذه الحالة فقد سميت المنطقة على اسم إوز برنت.
وفى الختام، يتضح من خلال هذه المقالة أن البترول سيظل يلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي، مع ضرورة التركيز على استدامة استخدامه وتطوير بدائل للطاقة تكون أكثر صداقة للبيئة.
د. محمد رضا
مدرس جيولوجيا البترول - قسم الجيولوجيا كلية العلوم - جامعة الأزهر
