د. حماده العوني كتب مقالا بعنوان "الرمال السوداء في مصر (الذهب المعدني الأسود)"
الرمال السوداء (Black Sand)، هي عبارة عن رواسب شاطئية ثقيلة سوداء اللون، تكونت نتيجة التجوية والتعرية للصخور النارية، ثم تجمعت وترسبت علي مدار ملايين السنين بفعل عوامل النقل على الشواطئ الساحلية، ومن أهم دول العالم امتلاكا للرمال السوداء: مصر والبرازيل وفرنسا.

وتزدهر الشواطئ المصرية بالرمال السوداء التي تعتبر موردا طبيعيا ثمينا يمتد لأكثر من 400 كيلومتر، من أبو قير حتى رفح، وتمثل الرمال السوداء تركيزات عاليه من المعادن الثقيلة ذات القيمة الاقتصادية والتى تشمل معادن Fe-Ti oxides مثل الماجنتيت والإلمنيت والروتيل بالإضافة الي نسبه صغيرة من المعادن التى تحتوى على العناصر المشعة مثل الزركون والمونازيت والذى يحتوى أيضا على العناصر الأرضية النادرة علاوة على أن هذة الرمال تحتوى على الانواع المختلفه من معدن الجارنت والمعادن النفيسة مثل الذهب.

أما عن أهم الاستخدامات الصناعية للمعادن الأقتصادية المستخلصة من الرمال السوداء؛ فتأتي صناعة هياكل الطائرات والصواريخ والغواصات ومركبات الفضاء والأصباغ والورق والجلود والدهان والسيراميك وسبائك المحركات وتركيبات الأسنان والأسرة المعدنية والخرسانة والحديد الإسفنجي وأحجار الجلخ والصنفرة وفلاتر المياه والهواتف الذكية والسيارات العاملة بالكهرباء.

كما تعد الرمال السوداء مصدرًا غنيًا بالمعادن ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة، مثل الإلمنيت (FeTiO3) والروتيل (TiO2)، اللذان يُستخدمان في صناعات متنوعة تشمل الطيران والطاقة النووية. الإلمنيت مهم لإنتاج التيتانيوم الضروري لبناء هياكل الطائرات والصواريخ، في حين يُعد الروتيل مكونًا أساسيًا في صناعة الدهانات، الزركون الذي يُستخدم في صناعة السيراميك ويُعتبر عنصرًا حيويًا في المفاعلات النووية بفضل قدرته على امتصاص النيوترونات.


في هذا الصدد، كشف مجلس الوزراء المصري عام م2021، عن وجود حوالي (11) موقعًا غنيًا بالرمال السوداء.
و يُستخدم جزء من هذه الرمال من قبل السكان المحليين في البناء والتعلية، لكن الإمكانات الصناعية لم تُستغل بالكامل. ولتغيير هذا الوضع، تأسست الشركة المصرية للرمال السوداء بهدف تحقيق الاستفادة الاقتصادية القصوى من هذه الموارد، وتم تحديد موقعين رئيسيين في محافظة كفر الشيخ، وتم الإعلان عن استثمارات بقيمة 24 مليون دولار لإقامة مصنع في شمال البرلس.
وفي أكتوبر م2022، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مجمع الرمال السوداء في البرلس، مما يُمثل خطوة مهمة نحو استغلال هذه الموارد.
تعد الرمال السوداء ثروة ومشروعًا جديدًا يضاف إلى سجل إنجازات الدولة المصرية من المشروعات القومية، والتى شهدتها البلاد، فالرمال السوداء التى كانت مهملة لفترة طويلة، إلا أن الدولة المصرية اهتمت بهذا الملف بشكل كبير.
تسهم المعادن المستخلصة من الرمال السوداء فى دفع عجلة الاقتصاد المصرى من خلال تحقيق عائد اقتصادي كبير لدعم التنمية الاقتصادية بمصر، فضلًا عن المساهمة فى تنويع مصادر الدخل القومى للاقتصاد المصرى، وخلق فرص عمل جديدة، وتقليل نسبة البطالة، من خلال تنفيذ مشاريع تعدينية.
وبيئيًا، يُمكن أن يُسهم استخلاص الرمال السوداء في تنظيف الشواطئ من المواد المشعة الضارة حيث إن إزالة الملايين من أطنان الرمال السوداء من على السواحل تعني إزالة بعض الجزئيات من المعادن المُشعة التي لها تأثير مضر على النظام البيولوجي البحري والإنساني واقتصاديا، يُمكن لهذه الصناعة أن تُحدث تحولًا في الاقتصاد المصري، من خلال خلق فرص عمل جديدة لآلاف الشباب، تسهم في مواجهة مشكلة البطالة، وزيادة الدخل القومي عبر تصدير المعادن وتطوير البنية التحتية الحيوية؛ بما في ذلك محطات الكهرباء والغاز والمياه في مناطق الاستكشاف وهو ما يعود بالنفع على تحسين الظروف المعيشية لأبناء المناطق التي تتم بها الاكتشافات.


وتُمثل الرمال السوداء في مصر مثالًا على كيفية تحويل الموارد الطبيعية إلى فرص اقتصادية من خلال الاستثمار الحقيقي، مع الالتزام بالمعايير البيئية، وعليه يُمكن لمصر أن تُحقق قيمة مضافة كبيرة من هذه الثروة الطبيعية، مما يُعزز مكانتها في السوق العالمي.
وختاما، تعد الرمال السوداء أحد أبرز المنح الربانية لمصر، وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام بالاستثمار الحقيقي لها، ويأتي الحديث في مقالات أخرى قادمة عن معادن أخرى تذخر بها أرض مصر الحبيبة.
د. حمادة العوني
مدرس الجيولوجيا الإقتصادية - قسم الجيولوجيا كلية العلوم - جامعة الأزهر